What do you think?
Rate this book
421 pages, Mass Market Paperback
First published August 1, 1987
ما الأكثر صعوبة؟ معرفة الحقيقة أو العثور عليها. أو البَوح بها أو تصديقها؟إذا ظننت أنك تعرف الإجابة فأبشرك بأن اجابتك خاطئة.
كانت وحيدة والدَيها. على غراري وعلى غرار نات. وشعرتْ بالظلم في أثناء نشأتها. كان اهتمام والديها بها خانقاً. واعتبرتْ أنه مزيَّف بطريقة ما. لقد ادّعت أنها كانت موجَّهة ومستغلَّة في كل الأوقات كأداة لتنفيذ رغباتهما وليس رغباتها. وكانت تقول لي في غالب الأحيان إنني الشخص الوحيد المماثل لها الذي قابلتْه. فأنا لا أشعر بالوحدة فحسب. بل أنا وحيد على الدوام. هل التبادل الحزين للحب يعني أنك تريد الحصول من الآخر على الدوام على ما تظن أنك تعطيه إياه؟ لقد أملت باربارا في أن أكون كأمير ما في قصص الخيال. عُلجوماً حوّلتْه بقبلاتها. يمكنه دخول الغابات المُظلمة حيث تُحتجز. ويقودها بعيداً. وعلى مَرّ السنوات. غالباً ما فشلتُ في هذه المهمة.تخيل نفسك نجما لامعا في مقاطعتك يشار لك بالبنان كنائب المدعي العام و المرشح الأكثر جدارة لهذا اللقب بعد فوز المدعي العام بحكم المقاطعة. متزوج و لديك طفل صغير و بيت جميل و راتب محترم. تحقق في جريمة قتل حدثت لزميلة لك في المهنة و تجد الكثير من التشويش على الأدلة و لا توشك أبدا على معرفة القاتل أو تلمس الطريق إليه ثم تجد نفسك فجأة في قفص الاتهام لأنك أنت القاتل و تتحول من ممثل الادعاء للمتهم بالجريمة بين طرفة عين و انتباهتها! هل تخيلت ذلك؟ نعم؟ إذا فلنقرأ الرواية.
ومن الثابت في نظام القضاء الجنائي أن المتهَمين نادراً ما يقولون الحقيقة. وهو أمر مسلَّم به كقوانين الجاذبية. فرجال الشرطة والمدعون العامون. ومحامو الدفاع والقضاة. يعرفون أنهم يكذبون. هم يكذبون بوقار براحات أيدٍ متعرّقة ونظرات مرتبكة. أو بنظرة تلميذ بريء في غالب الأحيان. وبعدم تصديق ساخط عندما تهاجَم سذاجتهم. هم يكذبون لحماية أنفسهم. ويكذبون لحماية أصدقائهم. هم يكذبون لمجرد التسلية ليس إلا. أو لأن ذلك سلوكهم المعتاد. هم يكذبون في شأن تفاصيل كبيرة وصغيرة. وفي شأن من استهل العمل المخالف للقانون. ومن فكر به. ومن قام به. ومن شعر بالأسف. ولكنهم يكذبون. فالكذب على رجال الشرطة. والكذب على هيئة المحلفين التي تنظر في قضيّتكم. عقيدة المتهَم. وهم يكذبون على ضابط المراقَبة إذا اقتنعوا بذلك. ويسخرون من سلامة نيّتكم. فهناك أمر ما يتبدّل على الدوام.في وسط هذه الأحداث الملتبسة يبدأ البطل عملية البحث عن القاتل مرة أخرى و لكن من مقاعد المتهمين لا مقاعد النيابة و ما أصعب الفرق. يشك في كل من حوله بداية من الضباط للقاضي لممثل الادعاء الجديد و يتصور أنها مؤامرة حيكت له في الظلام لأغراض ربما تكون سياسية.
«أنت تشك بأخلاق لارين. يجب أن تسامحني يا راستي. لحظات من الفلسفة فقط. ولكن ليس كل سوء تصرف بشري نتيجة عيوب فادحة في الأخلاق. فالظروف تلعب دورها أيضاً. التجربة. إذا سمحتَ بكلمة قديمة الطراز. عرفتُ لارين طوال مهنتي. وأقول لك إنه عانى الكثير. لقد تركه طلاقه في حالة من الفوضى. كان يتناول الشراب كثيراً. ويقامر. ودخل هذه العلاقة مع امرأة جميلة ووصولية. وحُطمت حياته المهنية. تخلى عن عادته عندما أصبح في أوج شهرته وحصل على مكافآت مالية. أنا على ثقة تامة بأنه أراد بهذا التغيير. والتعويض عن الانقلابات التي شهدتها حياته الشخصية. وبدلاً من ذلك. وجد نفسه مقيَّداً بعمل ثأري وسياسي في نطاق قضائي مُغرِق. وفاصلاً في مسائل غير ذات أهمية كبيرة. ولا علاقة لها بما اجتذبه إلى كرسي القضاء منذ البداية. لارين شخص ذو مقدرة عقلية كبيرة. ولكنه لم يسمع طوال سنوات سوى عن محاضر التجارة غير القانونية. وشغَب المشارب. والأمور التي تحصل في الغابة؛ وهي مسائل محيطة بالقضاء العام. وكل تلك القضايا تنتهي بالطريقة نفسها؛ بإخلاء سبيل المتّهَم. لا شيء سوى: أُقلفت القضية. مراقَبة قبل المحاكمة. مراقَبة بعد المحاكمة. ويعود المتّهَم على كل حال إلى منزله. وكان لارين في محيطٍ يعاني فساداً تاماً هو من أسرار المدينة الأكثر خطورة. رجال الكفالات. رجال الشرطة. ضباط المراقَبة. المحامون. كان الفرع الشمالي خليّة نحل من الصفقات المحظورة. هل تعتقد. يا راستي. أن لارين ليتل أول قاضٍ في دار قضاء الفرع الشمالي يقع على قارعة الطريق؟».في النهاية لا يوجد عاقل يتوقع من منظومة العدالة أن تكشف الحقيقة سيما و ان اختلفنا على معنى الحقيقة ذاته. فالعدالة عمياء ليس فقط عن التحيزات و لكنها عمياء أيضا عن الحقيقة و يسهل التلاعب بها من كل الأطراف.
كدتُ أبلغ الأربعين من عمري. ولم يعد باستطاعتي الادعاء بأنني أجهل العالم. أو أن معظم ما رأيته يُعجبني. أنا ابن والدي. هذا هو إرثي؛ تلطُّخ النظرة المستقبلية حول وجود قسوة في الحياة أكثر مما يستوعبه العقلاء. لا أدّعي أنني تعرضتُ لمقدار كبير من المعاناة. ولكن مرّ عليّ الكثير. لقد رأيت روح والدي العرجاء التي أعطبتها إحدى أكبر الجرائم في التاريخ؛ رأيت العذاب والحاجة. والغضب العشوائي والانفعالي الذي يؤدي إلى سوء تصرف متنوّع ورهيب في شوارعنا. وكمدّع عام. عزمتُ على مكافحة هذه الأمور وإعلان نفسي عدوًّا لدوداً لأولئك الذين يرتكبون كل إساءة بالقوة والسلاح. ولكنني عجزتُ عن ذلك. بالطبع. فمن الذي يستطيع رؤية المقدرة السلبية تلك والاحتفاظ بأي شعور بالتفاؤل؟ لكان ذلك أسهل لو لم يكن العالم مليئاً بسوء الطالع العرَضي. غولان شارف. وهو أحد جيراني. لديه ابن وُلد ضريراً. وماك وزوجها غاصا في النهر في لحظة مرح بعد أن استدارا عند إحدى الزوايا. وحتى إن كان الحظ - والحظ فقط - يجنّبنا الأسوأ. فإن الحياة تُنهك العديدين منا. فالعديد من الرجال الصغار في السنّ من ذوي الكفاءات تفتر هممهم ويتقبّلون الواقع المرير. والنساء الصغيرات في السنّ النشيطات يحمِلنَ أطفالاً. ويصبحن أكثر سمنة عند الوركين. ويتقلّصنَ آملاتٍ في أثناء دنوّهنّ من منتصف العمر. لقد بدت لي كل حياة آنذاك. وعلى غرار كل نُدفة ثلج. فريدة بأشكال بؤسها وبندرة واعتدال مُتَعها. وتنطفئ الأضواء. وتسود العتمة. ولا يمكن للروح أن تتحمل هذا القدْر من الظلام. لقد مددتُ يدي إلى كارولين بتأنٍّ وعن قصد. لا يمكنني الادعاء بأن الأمر كان مجرد حادثة أو اكتشاف أشياء جميلة مصادَفةً. لقد حدث ما أردتُ أن يحدث. لقد حدث ما أردت القيام به. لقد مددتُ يدي إلى كارولين.