إذا أُتيح لي أن أقول رأياً شخصياً، أقول إنَّ الحوارات مع الكتّاب والفنانين والفلاسفة إلخ..، غالباً ما شكّلت لي متعة في القراءة وفي المعرفة أيضاً، إذ أجدها تقع – بالفعل – في عمق تجربة الكتابة. بمعنى آخر، إنها مفاتيح وأبواب تقودنا إلى "الدهاليز" الخفيّة التي تقبع فيها أفكار الكتّاب ومحاولاتهم، إن جاز القول، لهذا كنت مشدوداً – بشكل دائمٍ – إلى قراءة هذه الحوارات.
من هذا الميل، ولد هذا الكتاب الذي يحتوي على ترجماتٍ عديدةٍ لحوارات أُجرِيَت مع أمبرتو ايكو في غير مكانٍ ومناسبةٍ وتاريخٍ، إذ كان تتجّمع عندي من غير قصد، بمعنى، حين كنتُ أقعُ على حوارٍ معهُ، أحتفظُ بهِ بعدَ القراءة.
وفي أحيانٍ كثيرةٍ كنت أترجم بعض هذه الحوارات لنشرها في صحيفة "السفير". وهكذا تجمعت في نهاية المطاف بعض الحوارات المترجمة، للحظة التي طرأت فيها على بالي، فكرة أن أجمع هذه الحوارات، وأن أضيف عليها ما تبقى عندي من حواراتٍ له غير مترجمة بعد إلى العربية.
من هذه "البساطة" (إذا جاز التعبير) وُلد مشروع هذا الكتاب، الذي يأخذنا إلى وجوهٍ أخرى من وجوه أُمبرتو إيكو الكثيرة، إذ كما نعرف، كان مثقفاً موسوعياً، تطرّق إلى العديد من قضايا عصره.
لك أن تتخيل أنك تستمع طوال ١٨٢ صفحة إلى رجل حوالي خمسين ألف كتاب، من بينها ١٠٠٠ كتاب نادر أو نادر جداً. روائي، مؤرخ للعصر الوسيط، ناقد للثقافة الشعبية، عالم سيميائيات، كاتب مقالة صحافية، وتعددت الهويات وإيكو هو إيكو. لمريدي هذا الرجل ومحبيه لا أرى ثمة ضرورة للحديث عن جمالية هذا الكتاب، الذي على الرغم من تكرار الإجابات أحياناً، نتيجة تكرار السؤال في لقاءات صحفية مختلفة وممتدة. إلا أن إيكو هذه المرة يبدو أقل تعقيداً وأقرب إلى القلب.
حوارات وأحاديث في الثقافة والأدب والسياسة جمعها وترجمها إسكندر حبش. حوارات قادرة على الكشف والوقوف على كثير من ركائز تجربة إيكو في مستويات عدّة. في السرد والرواية على سبيل المثال يوضح إيكو أن رواياته تتغذى كثيراً من عواطفه. قائلاً: "من الصعب علي أن أتحدث عن مسافر، حين يتوقف قطاره في محطة ليون وينزل لشراء جريدة ويعود يصعد بعدها إلى القطار، إن لم أختبر بنفسي هذا الأمر". وهو ما فعله عند اشتغاله على رواية "جزيرة اليوم السابق" اضطر هذا الرجل أن يقوم برحلات بالباخرة على الرغم من كرهه لذلك، وعرض نفسه طويلاً لأشعة الشمس كي يبرهن بنفسه على ما عاشه روبرتو بطل روايته. حاول أن يتناسى السباحة كي يشعر بالصعوبات التي عاشها روبرتو وهو يحاول العوم. هكذا يجعل إيكو المجهول وغير الملائم والغامض وكأنها أشياء طبيعية في رواياته.
بالمقابل؛ يبدي إيكو رأيه في العديد من الأمور. على سبيل المثال يقول عن رواية صوفي جوستاين غاردر: "لا أحتقر كتاب جوستاين غاردر من وجهة نظر فلسفية، أجده كتاباً صائباً. ويمكننا أن ننصح بقراءته أولئك الذين لم يقرؤوا سطراً واحداً من أعمال كوندورسيه أو كيركفارد. لكن مشكلته برأيي، هي الجانب التخييلي، إذ أنه لا يستقيم". أما بالنسبة للإنترنت فموقع مثل ويكيبيديا يعتبره إيكو المثال الأوضح عن ضعف وسوء الإنترنت قائلاً: "يمكنني أن أتدخل غداً كي أكتب خطأ (حماقة)، كذبة أو حتى افتراء". ثم يستدرك: "بيد أن الفكرة جميلة".
الرجل المنحاز إلى الكتاب دائماً يرى أن المثقف هو من ينتقد العادات، لا الذي يحتفي بها. إنه موجود كي يحمل إليها نظرة غير مواربة، لا ليقول إن كل شيء يسير على ما يرام. تكمن مهمته في أن يجد نقداً للمجتمع.
ينقسم هذا الكتاب بطبيعة موضوعاته إلى مجموعتين رئيسيّتين من الحوارات، الأولى "حوارات حول قضايا عامة تشغل العالم" والثّانية "حوارات فنيّة تتعلق بشكل رئيسي بأعماله الرّوائية والفكريّة الشّهيرة"، منها "مقبرة براغ و بندول فوكو". فعلى الرّغم من تكرار الإجابات أحيانا نتيجة تكرار السّؤال في لقاءات صحفيّة مختلفة وممتدّة، إلّا أن إيكو هذه المرّة يبدو أقل تعقيدا وأقرب إلى القلب .. _____________ حوارات وأحاديث في الثّقافة والأدب والسّياسة جمعها و ترجمها إسكندر حبش .. حوارات قادرة على الكشف والوقوف على كثير من ركائز تجربة إيكو في مستويات عدّة .. في السّرد والرّواية على سبيل المثال يوضّح إيكو أن رواياته تتغذى كثيرا من عواطفه، قائلا : "من الصّعب علي أن أتحدّث عن مسافر، حين يتوقّف قطاره في محطّة ليون و ينزل لشراء جريدة و يعود و يصعد بعدها إلى القطار، إن لم أختبر بنفسي هذا الأمر". وهو ما فعله عند اشتغاله على رواية "جزيرة اليوم السابق" اضطرّ هذا الرجل أن يقوم برحلات بالباخرة على الرّغم من كرهه لذلك، وعرض نفسه طويلا لأشعّة الشّمس كي يبرهن بنفسه على ما عاشه روبرتو بطل روايته ! حاول أن يتناسى السباحة كي يشعر بالصّعوبات التي عاشها روبرتو وهو يحاول العوم .. هكذا يجعل إيكو المجهول و غير الملائم و الغامض وكأنها أشياء طبيعيّة في رواياته .. بالمقابل، يبدي إيكو رأيه في العديد من الأمور. على سبيل المثال يقول عن رواية "عالم صوفي" لجوستاين غاردر: "لا أحتقر كتاب جوستاين غاردر من وجهة نظر فلسفيّة، أجده كتابا صائبا. ويمكننا أن ننصح بقراءته أولئك الذين لم يقرؤوا سطرا واحدا من أعمال كوندورسيه أو كيركفارد، لكن مشكلته برأيي هي الجانب التخييلي، إذ أنه لا يستقيم" .. أما بالنّسبة للإنترنت فموقع مثل ويكيبيديا يعتبره إيكو المثال الأوضح عن ضعف وسوء الإنترنت قائلا: "يمكنني أن أتدخّل غدا كي أكتب خطأ (حماقة)، كذبة أو حتى افتراء". ثم يستدرك: "بيد أن الفكرة جميلة". _____________ الرجل المنحاز إلى الكتاب دائما يرى أن المثقّف هو من ينتقد العادات، لا الذي يحتفي بها. إنّه موجود كي يحمل إليها نظرة غير مواربة، لا ليقول إن كل شيء يسير على ما يرام .. تكمن مهمّته في أن يجد نقدا للمجتمع ..
مجموعة صغيرة مترجمة الي العربية من حوارات صحفية للفيلسوف والروائي والمفكر الكبير امبرتو ايكو حوارات ممتعه جدا عليك ان تستعد لها بذهن صافي لا تنسي الورقة والقلم لأنك ستدون العديد من الملاحظات ابهرني ايكو برؤيته و اجاباته الالمعية كتاب يستحق القراءة