لا يمكن لي أن أنسى صوته (في الهاتف) للمرّة الأولى. كان ذلك في العام 1985. و"الجمهورية السعيدة" التي كنّا نعيش فيها تغرق في جولة جديدة من جولات القتل والدمار، التي أحالت كلّ شيء إلى ذكرى. كلّ واحد منّا يعيش في منطقة مختلفة. طرقات لبنان مقطوعة، وهي تحت سيطرة ميليشيات الأمر الواقع. لا يمكن لأحد الوصول إلى عند الآخر. لم أكن قد التقيت وديع سعادة قبلاً. كلّ ما أعرفه عنه بعض القصائد، وبعض المقالات التي قرأتها له. ولم يكن يعرفني حتماً. كنت في بداية الكتابة، وكلّ ما نشرته كان عدداً قليلاً من القصائد والمقالات في صحيفتي "السفير" و"النهار".
"الشعر هو في نهاية الأمر تجربة شخصية بالدرجة الأولى."
هذا كتاب جميل عن تجربة الشعر الخاصة بالشاعر اللبناني "وديع سعادة" أنا أحب هذا الرجل! أقع في بئر كلماته ولا ينتشلني سوى كلمات أخرى له وهكذا دواليك حتى أدوخ، يدوّخني الشعر! الكتاب صغير ولكنه مكثف، كل سطر به يمكن قرائته عدة مرات من عدة أوجه، في الشعر لا صواب ولا خطأ بل زوايا.. ولهذا الكتاب زوايا عديدة.
جمعت صداقة بين إسكندر حبش ووديع سعادة، وعلى مر الأعوام قاموا بهذا الحوار، حتى تم جمعه مؤخرًا في هذا الكتاب النثر/شعري الجميل.
ملحق بالكتاب أيضًا عدة صور للشاعر وحياته، وبعض من قصائده.
هذا الكتاب هو نظرة مختلسة على ما وراء شعر وديع.. نظرة "حاولت أن أخلق لها عينًا".
"حين ذهبوا لم يقفلوا أبوابهم بالمفاتيح تركوا أيضًا ماءً في الجرن، للبلبل والكلب الغريب الذي تعوّد أن يزورهم وبقي على طاولاتهم خبز، وإبريق، وعلبة سردين.
لم يقولوا شيئًا قبل أن يذهبوا لكنَّ صمتهم كان كعقد زواج مقدَّس مع الباب، مع الكرسي، مع البلبل والإبريق والخبز المتروك على الطاولة. الطريق التي شعرت وحدها بأقدامهم لا تذكر أنها رأتهم بعد ذلك لكنها تتذكر ذات نهار أن جسدها تنمِّل من الصباح إلى المساء بقمح يتدحرج عليه ورأت في يومٍ آخر أبوابًا تخرج من حيطانها وتسافر، ويذكر البحر أنَّ قافلة من السردين كانت تتخبَّط فيه وتمضي إلى جهة مجهولة.
ويقول الذين بقوا في القرية إنَّ كلبًا غريبًا كان يأتي كل مساء ويعوي أمام بيوتهم".
قصيدة الهجرة - وديع سعادة والتي ستتحول لمشروع موسيقي بألحان مارسيل خليفة، وغناء عبير نعمه.