عمر فايد's Reviews > إنديورانس: رحلة استكشاف تحولت إلى أعظم مغامرة للبقاء على قيد الحياة
إنديورانس: رحلة استكشاف تحولت إلى أعظم مغامرة للبقاء على قيد الحياة
by
by
نمتطي جميعًا باخرة «إنديورانس» تلك، فشظف العيش الذي عم العالم الإسلامي والعربي قاطبة ومحاولة نجاة كل رب أسرة بأسرته وكل صاحب عمل بشركته أو متجره ومحاولة كل طالب أن يرتقي بدرجاته علها أن تحسن من فرص حياته.. كلها أمثلة تجسد بواخر «إنديورانس» [مكابدة أو صمود] تحيط بكل منها بيئة مشابهة لا ترحم إلا قليلاً وتعتصر بين أطوافها الجليدية من يتوقف عن مقاومتها أو تتركه متجمداً إن استسلم وتوقف عن الحركة.. الحياة الحركة. في تلك الحياة عمومًا وهذه الظروف العصيبة خصوصًا صار كل منا ربان على باخرته الخاصة وإن اختلفت التفاصيل.. الأَنْكى أن حتى معظم المنارات التي كنا نسترشد بها لنبث الأمل داخلنا ونستمر بجدية وروح معنوية عالية في تلك الحياة صارت منارات مضللة. سواءً ما كانت رموز إسلامية كانت معتبرة ذات يوم أو من كتب ومحاضرات التنمية البشرية، والتي عندما كثر الخبث فيها، نال الهجوم كافة أنواع هذا اللون من الكتابات للأسف. خاصة عندما شابها الحديث عن الطاقة والشاكرا وما إلى ذلك من عبث شيطاني. لكن عندما تجد بين يديك قصة نجاة حقيقية واستغلال لفتات الفرص التي تلقيها الأقدار للوصول إلى وجهة نهائية، لن تملك سوى الاستسلام لمحتوى مماثل وواقعي. يتخذ السفهاء من الكسل دفئًا ولا يتحركون إلا إذا دعت الحاجة لسحب أقرانهم ومن هم في محيط معرفتهم إلى الأسفل إن حاولوا النجاة من مستنقعهم، وبالتالي باتت كل صيحة تنادي على الآخرين بالاجتهاد والمثابرة تنال استهزاءً من هؤلاء وصمتًا ممن ضلوا الطريق وألم بهم اليأس.
أمامك قصة كفاح خالصة ونتيجة تكللت بالنجاح بعد صبر حقيقي وعمل دؤوب وإيمان بالقائد، قصة ملهمة عن مدى ما يمكن للنفس البشرية أن تتحمله عندما تجد قائدًا حقيقيًا وكيف تصطف وراء قائدها إذا ما قدم نفسه في كل مرة مثالاً بالفعل قبل القول، قصة مليئة بالرموز الحقيقية من واقع تجربة، وليس تنظيراً وأمنيات واهية، ما يقطع الطريق على التَنابِلَة والمتراخين الذين عمموا هجومهم على أي كلام يأخذ بأيدي الغير إلى النجاح أو حتى النجاة. فكر في عدد الأشخاص الذين نالوا منك بالقول أو الفعل عندما انتشر خبر سعيك وراء وظيفة جديدة أفضل، أو الذين دسوا لك السم في ثوب النصيحة عندما أشاروا عليك بعدم التقديم إلى أولادك في جامعة حظها أوفر متعللين بأن المستقبل أسود على الجميع وأنه استثمار خاسر، أو الذين استشاطوا غضبًا عندما سمعوا بأنك تحاول افتتاح مشروعًا جديداً تدفعك نفسك فيه دفعًا للمجازفة المدروسة بجزء من أرباحك ومدخراتك معللين غضبهم هذا بأنه خوف عليك.. فكر قليلاً في التيه الذي أبحرت فيه بباخرتك وتعطلت بسببه بوصلتك لأنك تركت أذنيك مستباحة لكل رأي يرى من الجهد المنتظم والكفاح في الحياة شعارات زائفة.. وإذا واتتهم الفرصة وأخذوا حظهم من الدنيا، لم تسمع عن نجاحاتهم إلا من الآخرين!
لا تقرأ الكتاب بعين المستمتع بقصة تاريخية جميلة، وهي كذلك، ثم تطوي صفحات الكتاب دون أن تسقطها على واقعك.. أو واقعنا. بل اجعلها برمزيتها بوصلة جديدة لك تعيد بها ترتيب أوراقك من جديد وتحدد أهدافك وأولوياتك حسبما ترغب وليس ما يمليه عليك الناس، مهما كانت درجة قربهم منك. اختلي بنفسك وامسك بورقة وقلم لترسم بعدها خطتك وأهدافك بعيداً عن أعين الناس، فإذا عزمت فتوكل على الله.. اعمل في صمت بعد التخلص من تلك الورقة أو الاحتفاظ بها بعيداً عن كل الأعين.. تلك الخطوة الأولى في عالم اضطربت فيه أفكار الجميع وصارت فيه الفتن كقطع الليل المظلمة، ولا تشارك هدفك إلا مع أقرب المقربين ذوي الأنفس المتعففة وشيء من الخبرة (إن وجِدوا) من باب ﴿..أن تقوموا لله مثنى وفرَدى ثم تتفكروا..﴾ فهذا أمر قرآني للمضطربين في حالات الفتن أن ينشد المرء من يثق برجاحة رأيه أو يختلي بنفسه.. ثم يتفكر. بعيداً عن الرأي الجماعي المشوش.
طريقة سرد المؤلف ألفريد لانسينج ممتازة وروائية تدخلك مباشرة في قلب الأحداث وتجعلك تنضم للمغامرين وكأنك تعايشها، تفرح لهم وتحزن عليهم وتترقب وتحبط ويتجدد أملك معهم.. وكأنك تقرأ رواية، لكن الفارق أنها أحداث حقيقية تمامًا، مطعمة بمذكراتهم جميعًا.
لفت نظري أيضًا كم هي عجيبة تلك النفس البشرية التي إذا حرمت من متاع الدنيا وعاينت الضيق والشدة، تعرف حينها زحام النعم التي كانت تتجاهلها لتتوق إلى غيرها. كحنين بعض أفراد البعثة إلى رائحة العشب وطيب الخبز وما إلى ذلك عندما انقطعوا عن العالم لأشهر عدة، ربما كانت تلك حكمة من وراء فريضة الصيام.. التي نفسدها "بتسلية" الصيام.
في سياق آخر لفت نظري كثيراً تناول تلك البعثة الاستكشافية للشتاء في تلك البقعة من الأرض أو ما أسموه ليل القارة القطبية الجنوبية، ثم حديثهم عن الصيف الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى حد إذابة الجليد أو كما ذكر المؤلف، "حتى إن شاكلتون سجل درجة الحرارة داخل خيمته ذات مرة 27.7 درجة مئوية. وأصر ورسلي إن في استطاعته فعليًا رؤية الثلج وهو يتحول إلى ماء." فحتى منذ قرن ونيف من الزمان كان الجليد يذوب في أوقات معينة من العام (تلك الأوقات التي تترصدها كاميرات الترويج لأكذوبة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري) وما تلبث الحياة أن تعود لطبيعتها ويلتأم الجليد بل ويتمدد كما ذكر أحد البحارة حينما اتجهوا صوب الشمال في رحلة نجاتهم: "علاوة على ذلك، فإن تلك الرياح –والتي كانت دافئة نسبيًا في الماضي بعد أن تهب الرياح عبر البحار المفتوحة– تكاد الأن تقارب في برودتها رياح القطب الجنوبي. ويمكن أن يعزى هذا لسبب واحد: أن كميات الجليد –وليس المياه المفتوحة– تمددت إلى مسافات أكبر شمالاً."
ما يؤكد لي على المنحى الشخصي أن الحديث عن التغيرات المناخية وذوبان الجليد ما هي إلا أحد المشتتات الكبرى التي يصرف بها الناس عن المخاطر الحقيقية التي تواجههم، وبالتالي يصورون تلك الأماكن في أوقات معينة وتروج للعامة على إنها أمر طارئ على تاريخ البشر وستهلكه لا محالة، وتخرس كل الأصوات مثل العالم النرويجي إيفار ييفر (Ivar Giaever) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1973 والعريضة التي قدمها مع 1,200 عالم ومختص بعنوان "لا يوجد أزمة مناخية" أو راندال كارسون (Randall Carlson) الذي لديه خبرة أكثر من أربعين عام في هذا المجال، إن كشفوا زيف التلاعب بالبيانات من المؤسسات العالمية "المرموقة" ووسائل الإعلام السائدة. كلما اجتمعت المؤسسات العالمية الكبرى على قضايا بعينها واعتبرت النضال فيها أسمى ما يمكن للبشر فعله تيقنت من كذبهم أو على الأقل سوء نيتهم وتهويلهم من تلك القضايا حتى وإن كان لها أثراً بنسب متفاوتة.. أو لنقل كلما سمعت تصريحات صادرة عن الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية أو الأونروا أو اليونيسيف أو صندوق النقد والبنك الدوليين.. تحسست مسدسي!
أعتقد باختيارك لكتاب من هذا القبيل تعرف نسبيًا محتواه، أنك تبحث عن طوق نجاة في قصص نجاح الغير أو نجاتهم، لذلك أدعوك أن تقرأ بعين جديدة تجربة بشرية خالصة بكل آمالهم وفشلها المتكرر والإحباط واليأس ثم إعادة تجدد الأمل والنجاح بعد السعي.. لتعرف ما يمكننا تحقيقه وما يكمن بداخلنا غير إنه وهن جراء الهزل والتسفيه من كل شيء. أترككم مع الكتاب.. مع المغامرة.. مع أفضل ما ترجمت لجليس.. وأحد أفضل الكتب التي قرأتها في حياتي.
أمامك قصة كفاح خالصة ونتيجة تكللت بالنجاح بعد صبر حقيقي وعمل دؤوب وإيمان بالقائد، قصة ملهمة عن مدى ما يمكن للنفس البشرية أن تتحمله عندما تجد قائدًا حقيقيًا وكيف تصطف وراء قائدها إذا ما قدم نفسه في كل مرة مثالاً بالفعل قبل القول، قصة مليئة بالرموز الحقيقية من واقع تجربة، وليس تنظيراً وأمنيات واهية، ما يقطع الطريق على التَنابِلَة والمتراخين الذين عمموا هجومهم على أي كلام يأخذ بأيدي الغير إلى النجاح أو حتى النجاة. فكر في عدد الأشخاص الذين نالوا منك بالقول أو الفعل عندما انتشر خبر سعيك وراء وظيفة جديدة أفضل، أو الذين دسوا لك السم في ثوب النصيحة عندما أشاروا عليك بعدم التقديم إلى أولادك في جامعة حظها أوفر متعللين بأن المستقبل أسود على الجميع وأنه استثمار خاسر، أو الذين استشاطوا غضبًا عندما سمعوا بأنك تحاول افتتاح مشروعًا جديداً تدفعك نفسك فيه دفعًا للمجازفة المدروسة بجزء من أرباحك ومدخراتك معللين غضبهم هذا بأنه خوف عليك.. فكر قليلاً في التيه الذي أبحرت فيه بباخرتك وتعطلت بسببه بوصلتك لأنك تركت أذنيك مستباحة لكل رأي يرى من الجهد المنتظم والكفاح في الحياة شعارات زائفة.. وإذا واتتهم الفرصة وأخذوا حظهم من الدنيا، لم تسمع عن نجاحاتهم إلا من الآخرين!
لا تقرأ الكتاب بعين المستمتع بقصة تاريخية جميلة، وهي كذلك، ثم تطوي صفحات الكتاب دون أن تسقطها على واقعك.. أو واقعنا. بل اجعلها برمزيتها بوصلة جديدة لك تعيد بها ترتيب أوراقك من جديد وتحدد أهدافك وأولوياتك حسبما ترغب وليس ما يمليه عليك الناس، مهما كانت درجة قربهم منك. اختلي بنفسك وامسك بورقة وقلم لترسم بعدها خطتك وأهدافك بعيداً عن أعين الناس، فإذا عزمت فتوكل على الله.. اعمل في صمت بعد التخلص من تلك الورقة أو الاحتفاظ بها بعيداً عن كل الأعين.. تلك الخطوة الأولى في عالم اضطربت فيه أفكار الجميع وصارت فيه الفتن كقطع الليل المظلمة، ولا تشارك هدفك إلا مع أقرب المقربين ذوي الأنفس المتعففة وشيء من الخبرة (إن وجِدوا) من باب ﴿..أن تقوموا لله مثنى وفرَدى ثم تتفكروا..﴾ فهذا أمر قرآني للمضطربين في حالات الفتن أن ينشد المرء من يثق برجاحة رأيه أو يختلي بنفسه.. ثم يتفكر. بعيداً عن الرأي الجماعي المشوش.
طريقة سرد المؤلف ألفريد لانسينج ممتازة وروائية تدخلك مباشرة في قلب الأحداث وتجعلك تنضم للمغامرين وكأنك تعايشها، تفرح لهم وتحزن عليهم وتترقب وتحبط ويتجدد أملك معهم.. وكأنك تقرأ رواية، لكن الفارق أنها أحداث حقيقية تمامًا، مطعمة بمذكراتهم جميعًا.
لفت نظري أيضًا كم هي عجيبة تلك النفس البشرية التي إذا حرمت من متاع الدنيا وعاينت الضيق والشدة، تعرف حينها زحام النعم التي كانت تتجاهلها لتتوق إلى غيرها. كحنين بعض أفراد البعثة إلى رائحة العشب وطيب الخبز وما إلى ذلك عندما انقطعوا عن العالم لأشهر عدة، ربما كانت تلك حكمة من وراء فريضة الصيام.. التي نفسدها "بتسلية" الصيام.
في سياق آخر لفت نظري كثيراً تناول تلك البعثة الاستكشافية للشتاء في تلك البقعة من الأرض أو ما أسموه ليل القارة القطبية الجنوبية، ثم حديثهم عن الصيف الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى حد إذابة الجليد أو كما ذكر المؤلف، "حتى إن شاكلتون سجل درجة الحرارة داخل خيمته ذات مرة 27.7 درجة مئوية. وأصر ورسلي إن في استطاعته فعليًا رؤية الثلج وهو يتحول إلى ماء." فحتى منذ قرن ونيف من الزمان كان الجليد يذوب في أوقات معينة من العام (تلك الأوقات التي تترصدها كاميرات الترويج لأكذوبة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري) وما تلبث الحياة أن تعود لطبيعتها ويلتأم الجليد بل ويتمدد كما ذكر أحد البحارة حينما اتجهوا صوب الشمال في رحلة نجاتهم: "علاوة على ذلك، فإن تلك الرياح –والتي كانت دافئة نسبيًا في الماضي بعد أن تهب الرياح عبر البحار المفتوحة– تكاد الأن تقارب في برودتها رياح القطب الجنوبي. ويمكن أن يعزى هذا لسبب واحد: أن كميات الجليد –وليس المياه المفتوحة– تمددت إلى مسافات أكبر شمالاً."
ما يؤكد لي على المنحى الشخصي أن الحديث عن التغيرات المناخية وذوبان الجليد ما هي إلا أحد المشتتات الكبرى التي يصرف بها الناس عن المخاطر الحقيقية التي تواجههم، وبالتالي يصورون تلك الأماكن في أوقات معينة وتروج للعامة على إنها أمر طارئ على تاريخ البشر وستهلكه لا محالة، وتخرس كل الأصوات مثل العالم النرويجي إيفار ييفر (Ivar Giaever) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1973 والعريضة التي قدمها مع 1,200 عالم ومختص بعنوان "لا يوجد أزمة مناخية" أو راندال كارسون (Randall Carlson) الذي لديه خبرة أكثر من أربعين عام في هذا المجال، إن كشفوا زيف التلاعب بالبيانات من المؤسسات العالمية "المرموقة" ووسائل الإعلام السائدة. كلما اجتمعت المؤسسات العالمية الكبرى على قضايا بعينها واعتبرت النضال فيها أسمى ما يمكن للبشر فعله تيقنت من كذبهم أو على الأقل سوء نيتهم وتهويلهم من تلك القضايا حتى وإن كان لها أثراً بنسب متفاوتة.. أو لنقل كلما سمعت تصريحات صادرة عن الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية أو الأونروا أو اليونيسيف أو صندوق النقد والبنك الدوليين.. تحسست مسدسي!
أعتقد باختيارك لكتاب من هذا القبيل تعرف نسبيًا محتواه، أنك تبحث عن طوق نجاة في قصص نجاح الغير أو نجاتهم، لذلك أدعوك أن تقرأ بعين جديدة تجربة بشرية خالصة بكل آمالهم وفشلها المتكرر والإحباط واليأس ثم إعادة تجدد الأمل والنجاح بعد السعي.. لتعرف ما يمكننا تحقيقه وما يكمن بداخلنا غير إنه وهن جراء الهزل والتسفيه من كل شيء. أترككم مع الكتاب.. مع المغامرة.. مع أفضل ما ترجمت لجليس.. وأحد أفضل الكتب التي قرأتها في حياتي.
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
إنديورانس.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
September 14, 2024
– Shelved