نمتطي جميعًا باخرة «إنديورانس» تلك، فشظف العيش الذي عم العالم الإسلامي والعربي قاطبة ومحاولة نجاة كل رب أسرة بأسرته وكل صاحب عمل بشركته أو متجره ومحاونمتطي جميعًا باخرة «إنديورانس» تلك، فشظف العيش الذي عم العالم الإسلامي والعربي قاطبة ومحاولة نجاة كل رب أسرة بأسرته وكل صاحب عمل بشركته أو متجره ومحاولة كل طالب أن يرتقي بدرجاته علها أن تحسن من فرص حياته.. كلها أمثلة تجسد بواخر «إنديورانس» [مكابدة أو صمود] تحيط بكل منها بيئة مشابهة لا ترحم إلا قليلاً وتعتصر بين أطوافها الجليدية من يتوقف عن مقاومتها أو تتركه متجمداً إن استسلم وتوقف عن الحركة.. الحياة الحركة. في تلك الحياة عمومًا وهذه الظروف العصيبة خصوصًا صار كل منا ربان على باخرته الخاصة وإن اختلفت التفاصيل.. الأَنْكى أن حتى معظم المنارات التي كنا نسترشد بها لنبث الأمل داخلنا ونستمر بجدية وروح معنوية عالية في تلك الحياة صارت منارات مضللة. سواءً ما كانت رموز إسلامية كانت معتبرة ذات يوم أو من كتب ومحاضرات التنمية البشرية، والتي عندما كثر الخبث فيها، نال الهجوم كافة أنواع هذا اللون من الكتابات للأسف. خاصة عندما شابها الحديث عن الطاقة والشاكرا وما إلى ذلك من عبث شيطاني. لكن عندما تجد بين يديك قصة نجاة حقيقية واستغلال لفتات الفرص التي تلقيها الأقدار للوصول إلى وجهة نهائية، لن تملك سوى الاستسلام لمحتوى مماثل وواقعي. يتخذ السفهاء من الكسل دفئًا ولا يتحركون إلا إذا دعت الحاجة لسحب أقرانهم ومن هم في محيط معرفتهم إلى الأسفل إن حاولوا النجاة من مستنقعهم، وبالتالي باتت كل صيحة تنادي على الآخرين بالاجتهاد والمثابرة تنال استهزاءً من هؤلاء وصمتًا ممن ضلوا الطريق وألم بهم اليأس. أمامك قصة كفاح خالصة ونتيجة تكللت بالنجاح بعد صبر حقيقي وعمل دؤوب وإيمان بالقائد، قصة ملهمة عن مدى ما يمكن للنفس البشرية أن تتحمله عندما تجد قائدًا حقيقيًا وكيف تصطف وراء قائدها إذا ما قدم نفسه في كل مرة مثالاً بالفعل قبل القول، قصة مليئة بالرموز الحقيقية من واقع تجربة، وليس تنظيراً وأمنيات واهية، ما يقطع الطريق على التَنابِلَة والمتراخين الذين عمموا هجومهم على أي كلام يأخذ بأيدي الغير إلى النجاح أو حتى النجاة. فكر في عدد الأشخاص الذين نالوا منك بالقول أو الفعل عندما انتشر خبر سعيك وراء وظيفة جديدة أفضل، أو الذين دسوا لك السم في ثوب النصيحة عندما أشاروا عليك بعدم التقديم إلى أولادك في جامعة حظها أوفر متعللين بأن المستقبل أسود على الجميع وأنه استثمار خاسر، أو الذين استشاطوا غضبًا عندما سمعوا بأنك تحاول افتتاح مشروعًا جديداً تدفعك نفسك فيه دفعًا للمجازفة المدروسة بجزء من أرباحك ومدخراتك معللين غضبهم هذا بأنه خوف عليك.. فكر قليلاً في التيه الذي أبحرت فيه بباخرتك وتعطلت بسببه بوصلتك لأنك تركت أذنيك مستباحة لكل رأي يرى من الجهد المنتظم والكفاح في الحياة شعارات زائفة.. وإذا واتتهم الفرصة وأخذوا حظهم من الدنيا، لم تسمع عن نجاحاتهم إلا من الآخرين! لا تقرأ الكتاب بعين المستمتع بقصة تاريخية جميلة، وهي كذلك، ثم تطوي صفحات الكتاب دون أن تسقطها على واقعك.. أو واقعنا. بل اجعلها برمزيتها بوصلة جديدة لك تعيد بها ترتيب أوراقك من جديد وتحدد أهدافك وأولوياتك حسبما ترغب وليس ما يمليه عليك الناس، مهما كانت درجة قربهم منك. اختلي بنفسك وامسك بورقة وقلم لترسم بعدها خطتك وأهدافك بعيداً عن أعين الناس، فإذا عزمت فتوكل على الله.. اعمل في صمت بعد التخلص من تلك الورقة أو الاحتفاظ بها بعيداً عن كل الأعين.. تلك الخطوة الأولى في عالم اضطربت فيه أفكار الجميع وصارت فيه الفتن كقطع الليل المظلمة، ولا تشارك هدفك إلا مع أقرب المقربين ذوي الأنفس المتعففة وشيء من الخبرة (إن وجِدوا) من باب ﴿..أن تقوموا لله مثنى وفرَدى ثم تتفكروا..﴾ فهذا أمر قرآني للمضطربين في حالات الفتن أن ينشد المرء من يثق برجاحة رأيه أو يختلي بنفسه.. ثم يتفكر. بعيداً عن الرأي الجماعي المشوش. طريقة سرد المؤلف ألفريد لانسينج ممتازة وروائية تدخلك مباشرة في قلب الأحداث وتجعلك تنضم للمغامرين وكأنك تعايشها، تفرح لهم وتحزن عليهم وتترقب وتحبط ويتجدد أملك معهم.. وكأنك تقرأ رواية، لكن الفارق أنها أحداث حقيقية تمامًا، مطعمة بمذكراتهم جميعًا. لفت نظري أيضًا كم هي عجيبة تلك النفس البشرية التي إذا حرمت من متاع الدنيا وعاينت الضيق والشدة، تعرف حينها زحام النعم التي كانت تتجاهلها لتتوق إلى غيرها. كحنين بعض أفراد البعثة إلى رائحة العشب وطيب الخبز وما إلى ذلك عندما انقطعوا عن العالم لأشهر عدة، ربما كانت تلك حكمة من وراء فريضة الصيام.. التي نفسدها "بتسلية" الصيام. في سياق آخر لفت نظري كثيراً تناول تلك البعثة الاستكشافية للشتاء في تلك البقعة من الأرض أو ما أسموه ليل القارة القطبية الجنوبية، ثم حديثهم عن الصيف الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى حد إذابة الجليد أو كما ذكر المؤلف، "حتى إن شاكلتون سجل درجة الحرارة داخل خيمته ذات مرة 27.7 درجة مئوية. وأصر ورسلي إن في استطاعته فعليًا رؤية الثلج وهو يتحول إلى ماء." فحتى منذ قرن ونيف من الزمان كان الجليد يذوب في أوقات معينة من العام (تلك الأوقات التي تترصدها كاميرات الترويج لأكذوبة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري) وما تلبث الحياة أن تعود لطبيعتها ويلتأم الجليد بل ويتمدد كما ذكر أحد البحارة حينما اتجهوا صوب الشمال في رحلة نجاتهم: "علاوة على ذلك، فإن تلك الرياح –والتي كانت دافئة نسبيًا في الماضي بعد أن تهب الرياح عبر البحار المفتوحة– تكاد الأن تقارب في برودتها رياح القطب الجنوبي. ويمكن أن يعزى هذا لسبب واحد: أن كميات الجليد –وليس المياه المفتوحة– تمددت إلى مسافات أكبر شمالاً." ما يؤكد لي على المنحى الشخصي أن الحديث عن التغيرات المناخية وذوبان الجليد ما هي إلا أحد المشتتات الكبرى التي يصرف بها الناس عن المخاطر الحقيقية التي تواجههم، وبالتالي يصورون تلك الأماكن في أوقات معينة وتروج للعامة على إنها أمر طارئ على تاريخ البشر وستهلكه لا محالة، وتخرس كل الأصوات مثل العالم النرويجي إيفار ييفر (Ivar Giaever) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1973 والعريضة التي قدمها مع 1,200 عالم ومختص بعنوان "لا يوجد أزمة مناخية" أو راندال كارسون (Randall Carlson) الذي لديه خبرة أكثر من أربعين عام في هذا المجال، إن كشفوا زيف التلاعب بالبيانات من المؤسسات العالمية "المرموقة" ووسائل الإعلام السائدة. كلما اجتمعت المؤسسات العالمية الكبرى على قضايا بعينها واعتبرت النضال فيها أسمى ما يمكن للبشر فعله تيقنت من كذبهم أو على الأقل سوء نيتهم وتهويلهم من تلك القضايا حتى وإن كان لها أثراً بنسب متفاوتة.. أو لنقل كلما سمعت تصريحات صادرة عن الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية أو الأونروا أو اليونيسيف أو صندوق النقد والبنك الدوليين.. تحسست مسدسي! أعتقد باختيارك لكتاب من هذا القبيل تعرف نسبيًا محتواه، أنك تبحث عن طوق نجاة في قصص نجاح الغير أو نجاتهم، لذلك أدعوك أن تقرأ بعين جديدة تجربة بشرية خالصة بكل آمالهم وفشلها المتكرر والإحباط واليأس ثم إعادة تجدد الأمل والنجاح بعد السعي.. لتعرف ما يمكننا تحقيقه وما يكمن بداخلنا غير إنه وهن جراء الهزل والتسفيه من كل شيء. أترككم مع الكتاب.. مع المغامرة.. مع أفضل ما ترجمت لجليس.. وأحد أفضل الكتب التي قرأتها في حياتي. ...more
رؤية غيرك المجردة ربما تجعلك تعود إلى أصولك التي نشأت عليها وكانت السمة العامة يومًا ما لثقافة مجتمعك، حتى وإن تغاضيت عنها مرحليًا باسم "الواقعية" أو رؤية غيرك المجردة ربما تجعلك تعود إلى أصولك التي نشأت عليها وكانت السمة العامة يومًا ما لثقافة مجتمعك، حتى وإن تغاضيت عنها مرحليًا باسم "الواقعية" أو "أنت لا تعرف كيف تسير الدنيا." عن مبدأ الإحسان أتحدث وعنه تُفصِل جيل لوبلان في كتابها مدى أهمية هذا لمبدأ ليس مع عائلتك أو أصدقائك المقربين فحسب، لكن مع آخر من تتوقع أن يفيدك معهم هذا المبدأ، العمل والشركات والمؤسسات. في هذا المجال تحديداً كما تقول الكاتبة نجد أن السمة العامة التي يتعامل بها عدد كبير من الناس هي الاستعداد للسباحة مع القروش أو حسب تعبيرها "كلب يأكل كلبًا" أو "البقاء للأقوى فقط." وبهذه الحالة النفسية عندما تكون موظفًا أو صاحب عمل أو مورد أو عميلاً يكون هدفك تلافي الأخطاء لأنها ستكون ذخيرة يستخدمها ضدك الطرف الآخر، وبهذا يتلاشى تمامًا مبدأ الإحسان مع الآخر الذي يحث عليه ديننا وتربينا عليه في بيوتنا، ويصبح الحديث عنه أشبه بدروشة أو انفصال عن الواقع. في هذا الكتاب وبتلك الرؤية من خارج ثقافتنا حتمًا ستجد إن كنت من أتباع تلك النظرية أنك أنت المنفصل عن الواقع، وبسرد متقن وإحصاءات ودراسات تسرد لك الكاتبة فائدة الإحسان وعائده الملموس والمادي على العمل والنفس وأثر ذلك حتى على حياتك الشخصية. ربما تكون انجرفت في البداية مع أنصار هذه الرؤية القاتمة للحياة ورفعت شعار "من تمد له يدك يأكل ذراعك" لكن هذا الكتاب فرصة لمراجعة تلك الرؤية الخاطئة التي لا تفسد عليك دينك فحسب لكنها تفسد عليك دنياك أيضًا حتى وإن حققت نجاحًا مؤقتًا. ومع أن مفهوم الإحسان لدينا أوسع وأشمل من المقصود في الكتاب، إلا إن ذلك المفهوم حتى خرج تمامًا من المعادلة خاصة في مجال الأعمال، ورفع الجميع شعار المنافسة والاعتبار بالنتائج. لكن مع نظرة معتبرة بعدسات غيرك ممن له باع طويل في هذا المجال ستعرف إن أي معادلة لا تنطوي على الإحسان هي معادلة فاشلة وسطحية ولا تحقق إلا مكاسب لحظية. ربما لو صدر الكتاب بدون اسم المؤلفة لظننت من عنوانه وفكرته الرئيسية إن كاتبه داعية أو عالم ديني، خاصة عندما تصادف أيضًا حديثًا عن التعاطف والمشاركة الوجدانية والتواضع والتسامح والتفاؤل والإيجابية كونها قيم منبثقة عن مظلة الإحسان الرئيسية في هذا الكتاب، لكنك قطعًا ستفاجأ عندما تعرف مردود تلك القيم المادية البحتة التي توصلت إليها الكاتبة بالملاحظة والتجربة المباشرة والاستشهاد بحقائق عينية. ستجد إنك تنأى بنفسك عن هوس السيطرة وحب التسلط على الآخرين إن كنت صاحب عمل قرر التعامل مع موظفيه بإحسان، وستجد إنك تحب الخير لزميلك الذي حاز على ترقية يستحقها أو آخر نال حافزاً أو علاوة بعد جهد وصبر في عمله إن كنت موظفًا قرر التعامل بإحسان، وإن كنت من عملاء أحد الشركات ووجدت ما لا يرضيك من خدمة العملاء أو العاملين في المطاعم أو سعاة البريد وغيرهم فستجد مردوداً رائعًا حتى وإن قررت التعامل بحسم معهم، لأنك في تلك الحالة تتعامل بنية تعليمهم شيء أو لفت نظر مشرفيهم إلى ما يحسن من مستوى شركتهم. أما نصيحتي لك بعد أن تفرغ من القراءة وتجد صدى في نفسك لما قرأت وعرفت، أن تعدل بَوصَلة نيتك ليكون اتباعك لمبدأ الإحسان هذا نابع من عقيدتك فتكون بذلك ممن ابتغى فيما آته الله الدار الآخرة ولم ينس نصيبه من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليه. ...more
حاول لدقيقة أن تستجمع شتات ذهنك وتتجاوز عنوان الكتاب المربك قليلاً، فأنت على موعد مع أدق وصف للمشهد الذي وصلنا له جميعًا وحالة الفوضى أو حتى المسخ التحاول لدقيقة أن تستجمع شتات ذهنك وتتجاوز عنوان الكتاب المربك قليلاً، فأنت على موعد مع أدق وصف للمشهد الذي وصلنا له جميعًا وحالة الفوضى أو حتى المسخ التي ألمت بنا دينيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. إن نظرية «الديناميكيات الحلزونية» مع ما تبدو عليه من تعقيد للوهلة الأولى إلا إنها مباشرة ويسهل الإلمام بها إذا تدرجت مع فصول الكتاب بتأني وروية، واضع النظرية هو كلير جريفز، أما مؤلفا الكتاب فتلميذيه النجيبين دون بيك وكريستوفر كوان. قد تستشعر تلك الدوامة التي تغمرك كلما فتحت وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تعرف كيف وصلنا إلى تلك الفتنة التي تجعل الحليم حيرانًا. لكن إذا أعدت كل شيء إلى الأصول والبدايات.. بدايات الماضي السحيق، ربما تستشف كما استشف د. جريفز وجود نمط معين في تطور المجتمعات، وأن الإخلال به أو عدم المرور على أحد دورات هذا النمط والتأفف منها يحدث انتكاسات وتشوهات.. كالتي نشهدها اليوم، وهي مراحل لا ينبغي المرور بها على عجالة أو القبوع فيها أكثر من اللازم وإلا تكرر الانتكاس أو كما قال، " فكر بعقلية الغواص في البحر العميق؛ لو إنه خرج إلى السطح سريعًا فربما يصاب بمرض تخفيف الضغط، ربما يغلي دمه. ولو إنه صعد ببطء شديد، ربما ينفد منه الهواء. تمامًا كما ينبغي على الغواص الصاعد أن يمر بمراحل مختلفة من تخفيف الضغط، ينبغي على الناس تجربة أنظمة بشرية مختلفة خلال تسلسل من التطور الموقوت." الكتاب بحاجة إلى موهبة القيادة أو على الأقل مدارك واسعة لتتمكن من فك شفراته، مَلَكة رؤية الصورة الكبيرة والدخول إلى تفاصيلها كل على حدةٍ دون أن تستغرق في التفاصيل، ثم العودة مرة أخرى لتلك الصورة كي تتخذ القرار المناسب غير متأثر بمن لا يرون إلا خطوة إلى الأمام أو من يضمرون مصالح فردية ويتظاهرون برعاية الصالح العام. فكأن المؤلفان رسما لوحة وعليك أن ترى تفاصيلها بحنكة، لتجد حينها صدى لها في نفسك. ربما تتفق أو تختلف مع وائل غنيم أو تجمع (كما هو حالي) بين تأييده في آراء ومخالفته قطعيًا في أخرى، لكن لا نملك إلا الاعتراف بأنه أحد أهم أيقونات ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، وربما تندهش إن علمت تحمسه لهذا الكتاب إلى درجة جعلته يتحدث عنه ويشجع على قراءته وكأنه وجد الشرح المفصل لكل ما ممرنا به بل وما سبقه منذ عقود وقرون بين دفتي كتاب واحد، ولا ألومه فقد لامست هذا المعنى أثناء قراءتي.. واستنتج وائل في المقطع الذي شرح فيه رؤيته لهذا الكتاب إننا في مرحلة ما بعد البرتقالي (ما بعد التمحور حول المادية) والتي يحاول فيها كل منا البحث عن ذاته في ظل نظام أكثر قمعية بعد الانتكاسة التي سببتها حالة الفوضى الناتجة عن الثورة الأولى كما ذكر. ستجد تشبيهًا دقيقًا من المؤلفين لنفس الفخ الساذج الذي وقعنا فيه عقب ثورات الربيع العربي ومصر تحديداً بالتسفيه من كافة قامات الماضي مهما بلغوا من الدرجة العلمية إن اقترن تميزهم هذا بصورة أو تكريم من أحد رموز النظام السابق، فهدمنا الحائط على رؤوسنا قبل اكتماله، وفي هذا الصدد يقول المؤلفان، "وربما تصير العناصر الثورية المشحونة عاطفيًا مشغولة جداً بالحواجز إلى درجة إنها تتسبب في عودة الصاروخ نحوها كانقلاب أخير. فيسقطون تماثيل النظام السابق، ويبحثون عن النخبة المثقفة ثم يذهبون بهم إلى المقصلة أو حبل المشنقة. ويطلبون من المهندسين المغادرة على الفور، ويعيبون على كل ما في الماضي، حتى على من أطلقوا الثورة اعتقاداً منهم أن العنقاء الخرافية يمكن (وستفعل هذا) أن تنهض من بين رماد النظام السابق. لكن عادة ما يصادفهم طائر العُقاب، ولا تعد القطارات حتى تسير، ناهيك عن السير في موعدها." حينها ستعرف مدى سذاجة المطالبة بفرض النظام الديمقراطي واعتباره الغاية النهائية للشعوب، سواءً ما كانت تلك الشعوب مستعدة أم لا، ستدرك بنظرة أدق لبائعة الجرجير والخضرة أنك تظلمها عندما تطالبها بالتصويت في انتخابات تحدد الأصلح من بين مرشحين لن تشغل بالها بمعرفة أسمائهم فضلاً عن برامجهم الانتخابية، أو تحاول إقناع عامل أن الشيوعية هي ملاذه الوحيد للحفاظ على حقوق البروليتاريا من البرجوازية الغاصبة وتكون كل بضاعتك تأجيج مشاعر الحقد والغضب في نفوس من لا يملكون، أو تعتبر الملاذ الأخير في إقامة خلافة راشدة (وهو مصطلح شابه كثير من اللغط والتسطيح والتشويه بأكثر مما نستطيع التطرق له هنا) في مجتمعات لا تحترم إلا سطوة وقوة وقهر الحاكم. وعن هذه الرؤية القاصرة يقول المؤلفان عن الديمقراطية تحديداً، "ألهت ’الديمقراطية‘ تقريبًا بصفتها نموذجًا باتًا وعالميًا نهائيًا في اتخاذ القرار، سواءً ما كانت الأفكار النشطة ذاتية الانتشار وجوهرها القيم في المجموعة تستطيع التعامل معها أم لا." لكن كحال معظم المراجع الغربية خاصة في تسعينيات القرن العشرين يقع الكاتبين في فخ النظر إلى الدين الإسلامي بنظارة تضفي عليه الكهنوتية المسيحية أو تلخيصه في تجارب الجماعات الجهادية التي احتكت بها دولهم مباشرة، وليس النظرة الفلسفية من الإسلام للدنيا التي تتعرض لجوانب سياسية واقتصادية وبيئية فضلاً عن الجهادية، ومن ثم يندرج هنا (خطئًا) تحت بند أحد تطورات الحياة –الأزرق– التي تمر بها الشعوب ثم تنتقل لما يليها. في النهاية بين يديك أداة مهمة لمن يرغب في قراءة المشهد الحالي، وكتاب نفيس أنصح بقراءته....more
مع أننا نجهل أصول «ألف ليلة وليلة» غير أن الناس اعتادوا فيما مضى نسبَ القصة إلى المكان البعيد، فأهل القاهرة نسبوا مؤلفها إلى بغداد، وأهل بغداد نسبوه إمع أننا نجهل أصول «ألف ليلة وليلة» غير أن الناس اعتادوا فيما مضى نسبَ القصة إلى المكان البعيد، فأهل القاهرة نسبوا مؤلفها إلى بغداد، وأهل بغداد نسبوه إلى القاهرة؛، لأن المكان البعيد يولد الخيال دومًا؛.. فلتدع العنان لخيالك.
صنع الغرب صنمًا من عجوة وأسماه: "الدّيمقراطية"، ذلك النّظام الذي يتساوى فيه رأي الجاهل مع العالم، والمدفوع بعواطفه مع المدفوع بحساباته المتعقلة، ولم يصنع الغرب صنمًا من عجوة وأسماه: "الدّيمقراطية"، ذلك النّظام الذي يتساوى فيه رأي الجاهل مع العالم، والمدفوع بعواطفه مع المدفوع بحساباته المتعقلة، ولم يعد يجرؤ أحد أن يتعرض لهذا الصنم بالجرح والتعديل من شعوب العالم الثالث وإلا التهمه قرود الغرب بيننا. من يحاكون السيد المهيب شبرًا بشبر وذراعًا بذراع. لكن في هذا الكتاب أزعم أنَّ المؤلف وضع يده على لبِّ المشكلة التي تكاد أن تفتك بمجتمعهم، مُفرقًا بين الدّيمقراطية والنّظام الجمهوري الذي تأسست على إثره دولتهم (أمريكا)، والذي لا يعني أبدًا أحقية الجميع في اتخاذ قرارات بشأن أعقد المواضيع، لكنه أعلن أهمية هذا النّظام ووجوب احترام الخبراء لآراء العامة (إن أدّوا واجبهم واطلعوا على مجريات الأمور من حولهم) حتى لا يكون البديل نظامًا تكنوقراطيًا. ربما يكون الدرس الأهم الذي تلقنه جيلنا أن أي حق أفشل من أن يصمد دون قوة تحميه، وأن الدّيمقراطية التي فشلت في جلب الاستقرار الاجتماعي في عقر دارها لن تفلح مع الغالبية بيننا ممن يحتكمون لأهوائهم والكيد بالباطل مع من يخالفهم، في رأيي الشورى بين أهل الحل والعقد (بمصطلحات الكاتب أهل الخبرة وصناع القرار السياسي) هي أصوب السبل، ولا يكون اختيارهم بوهم الانتخاب من الدهماء والعامة، لكن بتاريخهم ومواقفهم، أما آلية ذلك الاختيار، فتكون لقاعدة عريضة لديها حد أدنى من المعرفة والاطلاع كما ذكر المؤلف، أما الوصول إلى هذه الآلية، فمتروك لفرص تاريخية قادمة، كتلك التي عاصرها جيلنا.. وتفلتت من بين يديه. هذا التصور سيتبعه غضب وسخط ممن كان خيارهم الباطل عندما اقترن بمحض قوة، وغضبهم هذا سيترجم إلى معارضة غير سلمية وقتها يكون الدرس الثاني الذي تعلمناه منهم.. الاستبداد في حماية الحق هو الحل ضد من استبدوا في حماية الباطل. نعم، تموت الخبرة أمام طوفان الدعاية وصخب العامة، ويكفن العارفين حينما يتصدر المشهد كل تافه وسخيف، وفي هذا الكتاب يستدل توم نيكولز بمشاهد وأحداث من مجاله وموطنه ستجد أكثر من مثال عليها في بلداننا وتشابهًا كبيرًا مع ما نمر به الآن من انطفاء بريق العلم وخفوت بريق الخبراء، واحتفاء أهل الجهل بجهلهم. وليس هذا الطرح ببعيد عن الخلاف بين الإمام محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني، فقد كتب محمد عبده في جريدة الوقائع اعتراضًا على الانتقال الفوري للنظام الدّيمقراطي: "إن أحوال الأمم هي المشرع الحقيقي، فإن انتقال فرنسا مثلًا من الملكية المطلقة إلى المقيدة، ثم إلى الجمهورية الحرة لم يكن بإرادة أولي الحل والعقد فقط، بل المساعدة الأقوى حالة الأهالي، وهذا ما جعل عقلاء النَّاس يجتهدون أولًا في تغيير الملكات وتبديل الأخلاق عندما يريدون أن يضعوا للهيئة الاجتماعية نظامًا محكمًا، فيقدمون التربية الحقيقية على ما سواها". وثقافة المواطن ليست من قراءة كتاب، بل من مشاهدة برامج (صارت غالبيتها ممولة لتأييد توجهات محددة)، وفي أحسن الأحوال قراءة صحف (باتت تشغله بما يذهب جفاءً) أو من وسائل التواصل الاجتماعي التي سيطر صراخ وعويل كل طرف فيها على معظم محاولات الخبراء لإيصال أي معلومة. الكتاب فرصة لإعادة كل طرف إلى نصابه، وإنزال النَّاس منازلهم.. موت الخبرة، توم نيكولز.. قراءة ممتعة. ...more
الكتاب جيد للنظر إلى النفس بمرآة مجردة، لكني أختلف مع الكاتب جذريًا في مآلاته وما توصل إليه بأن أهم ما ينبغي على المرء فعله هو التركيز على نفسه لا علىالكتاب جيد للنظر إلى النفس بمرآة مجردة، لكني أختلف مع الكاتب جذريًا في مآلاته وما توصل إليه بأن أهم ما ينبغي على المرء فعله هو التركيز على نفسه لا على خالق أو دين (إن اعترف بهما) ولا على الغاية من هذه الدنيا، فجعل من التركيز مع اللحظة الحاضرة هي الغاية التي تبنى حولها السعادة، لا توجيه البوصلة إلى ما ينبغي على كل البشر توجيهها إليه.. ما بعد الموت. أنصح بقراءته فقط لمن لديهم حصانة قوية في الفلسفة الدينية الإسلامية...more
إنّ الاختيارات الموفّقة لدار صفحة سبعة، والمبنيّة على رؤية متكاملة، تسهم من كتاب إلى آخر، في توسيع الآفاق الذّهنيّة، وتدفع على ارتياد مساحات جديدة للتإنّ الاختيارات الموفّقة لدار صفحة سبعة، والمبنيّة على رؤية متكاملة، تسهم من كتاب إلى آخر، في توسيع الآفاق الذّهنيّة، وتدفع على ارتياد مساحات جديدة للتّفكير. تعلّمنا في طفولتنا أنّ الثّمرة الفاسدة، كفيلة وحدها بإفساد ما حولها من ثمار، ولئن كانت تلك المماثلة كناية عن التّأثير السّلبيّ لأصدقاء السّوء، فإنّني أجدها ملائمة لموضوع الكتاب، دالّة عمّا جبل عليه العقل البشريّ، وعن الطّريقة الّتي يعمل وفقها، فهو معرّض إلى أن يفسد بكلّيّته إذا فسدت فكرة بداخله. يوقفنا كريس بيرديك على قوّة عجيبة كامنة في أعماقنا، ويأخذنا في رحلة عبر الأزمنة، ماضيها وحاضرها، ليدلّل على وجود تلك القوّة وما تسفر عنه.. إنّها قوّة التّوقّعات. لا يدخل هذا الأثر في سياق كتب التّنمية البشريّة، وما يستتبعها من جدل متزايد، وإنّما هو عمل علميّ رصين، يتناول عشرات التجارب السريرية والمعملية المثبتة عن تأثير التوقّعات وغيرها، من النّاحيتين النفسية والجسدية. قد يساعدك هذا الكتاب على أن ترفع حاجزا تأخّر ضعه كثيراً، بينك وأناسا مسمومين، لا يفوّتون على أنفسهم فرصة لنعتك بصفات، من شأنها دون أن تدري أن تؤثّر فيك على المدى الطّويل بشكل لافت. فالاستعارة على حدّ عبارة ديريك "أكثر من مجرد كونها صورة بلاغية أدبيّة، إنّها منعكس إدراكيّ أيضًا". وربّما أخذ هذا الكتاب بيدك، لتتسنّى لك مراقبة خواطرك قبل أن تتحول إلى أفكار، ومراقبة أفكارك قبل أن تتحول إلى أفعال، وأفعالك قبل أن تتحوّل إلى عادات. يستهين الكثيرون بقوّة الأفكار، وربّما استهان سفهاء، بتحوّل الكثير من العاهات النّفسيّة إلى علل عضويّة، وستقف في هذا الكتاب على الخطورة النّاجمة عن اتّخاذك لوضعيّات جسديّة معيّنة، وما لذلك من آثار سلبيّة، وعلى ما يمكن أن ينجرّ عن سماحك للآخرين أن يفرضوا عليك لغة محدّدة للجسد، تمكّنهم من التّحكّم فيك دون أن تشعر. وليس ما نسوقه من قبيل الظّنّ، وإنّما هي خلاصات ترتكز إلى تجارب مثبتة وإلى أبحاث علميّة، دقيقة. لقد أبدع كريس بيرديك في سبر أغوار النّفس البشريّة، وفي رصد ما للتّوقّعات من أثر بيّن، وربّما تبادر إلى الذّهن أنّ الكاتب، يحاكي في منجزه، ما نجده في كتاب "السّرّ" الشهير لروندا بايرن، الذي يكتفي خلاله بسندات ضعيفة، من الملاحظات، وتجارب الحياة، فالبحث في منشأ كريس بيرديك "لا يعد بالتّحكم في الدّماغ أو بنجاح غير محدود، أو بتحرّر من العناء والخسارة. بل إنّ أعظم قيمة فيه ربّما تكمن في تشجيعنا على الرّجوع خطوة إلى الخلف، وتمحيص افتراضاتنا من آن لآخر". أعتقد أنّك ستعيد النّظر في كثير من الأشياء، بداية من العلامات التّجاريّة الّتي تفضّلها ووصولاً إلى الدّواء الّذي تثق في فاعليّته ثقة عمياء. كتاب رائع أدعوكم إلى قراءته. ...more